يوافق يوم الأحد 17/11/1434هـ الموافق 23/9/2012م ، تاريخ إعلان قيام المملكة العربية السعودية ، ولاشك أن لهذا اليوم ذكرى تاريخية محفورة في قلب كل مواطن سعودي ، تستدعي تلك المشاعر الجياشة التي ترتبط باليوم العظيم إذ أتم الله به النعمة على جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ــ طيب الله ثراه ــ بتوحيد أرجاء هذه البلاد المباركة، بعد جهاد استمر أعوامًا طوال .
وحتى نستشعر قيمة وعظمة ما نعيشه اليوم ، لابد أن نستحضر معنى كلمة "الوطن" ، كما نستحضر ما تعيشه بعض الأمم من حولنا ممن غابت عنهم ما تعنيه هذه الكلمة ونحمد الله على بُعد نظر قادتنا وعمق حضارة شعبنا وإحساسه بأهمية الالتحام بين الأرض ومن يعمرها ، ويعيش عليها ، وأهمية التلاحم بين القادة والرعية .
ولاشك في أن هذا الوعي والادراك هو ما أثمر ما يشهد به العالم أجمع في الوقت الراهن من تقدم ورغد تعيشه هذه البلاد الطيبة وشعبها الكريم . ؛ ونعد بأذهاننا إلي ما قبل اثنين وثمانين عامًا من اليوم، كي نتذكر ما كانت تعيشه المملكة من فرقة وخوف في كيانات قبلية متناحرة، أبدلها الله جل شأنه ، وحدةً وأمنًا على يد مؤسس هذه البلاد تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته، والذي سيظل في قلوبنا -وأمام العالم أجمع- رمزاً لهذا الكيان الكبير.
وقد كان لإعلان قيام هذه الدولة الفتية في شبه الجزيرة العربية وقعه محليًا وإقليميًا ودولياً، إذ نالت اعتراف جميع الدول آنذاك، وحظيت بالتقدير والاحترام -بفضل الله- أولاً ثم بفضل السياسة الحكيمة التي أنتهجها المؤسس جلالة الملك عبد العزيز -يرحمه الله- التي هي في الواقع ترجمة حقيقة لروح الدين الإسلامي ومنهجه السامي في العلاقة بين المجتمعات والدول.
كما أن المملكة العربية السعودية ستظل دائمًا وأبدًا محط اهتمام كل دول العالم، لمكانتها الدينية والتاريخية بوصفها حاضنة الحرمين الشريفين، بيت الله الحرام في مكة المكرمة، ومسجد خاتم الأنبياء والمرسلين في المدينة المنورة، أقدس بقعتين على وجهة الأرض، ولموقعها الاستراتيجي المتميز، ولما نعيشه اليوم من نهضة علمية وصناعية في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وحكومته الرشيدة، فقد أرسوا دعائم نهضة حقيقية عبر مشاريع التنمية والتطوير الحديث، وانصب اهتمام الدولة ــرعاها الله ـ بالمواطن السعودي، وجعلته أساسًا للاستثمار في كل محور من محاور التنمية بجميع مجالاتها.
ولعل من أبرز محاور اهتمام الدولة التعليم العالي، واتساع رقعته من خلال إنشاء الجامعات وفصل فروعها؛ لتستقل بذاتها، وتوفير برامج الابتعاث الخارجي التي آتت وستؤتي ثمارها خيرًا عميمًا بإذن الله، وكذلك تربية النشء على أحدث الأسس العلمية والتربوية، وتطوير منظومة التعليم من خلال مجموعة من البرامج والإجراءات، والخطط القصيرة، والمتوسطة، وطويلة المدى؛ لتشمل عدداً من المحاور، أبرزها سبعة محاور هي: القبول والاستيعاب، والمواءمة، والجودة، والتمويل، والبحث العلمي، والابتعاث، وأخيرًا التخطيط الاستراتيجي.
كما تتبوأ بلادنا الغالية المكان اللائق بها عالميًا في شتى المجالات، حيث أصبحت تشكل ثقلاً دوليًا محسوبًا سياسيًا كان أم اقتصاديًا، وتلعب دورًا رائدًا في المنطقة، فقد وجدت منها قضايا الأمة كل مناصرة في المحافل الدولية، مستعينة في ذلك بما وهبه الله لها من مكانة روحية واقتصادية، كما تجلت هذه المناصرة في إسراعها لنجدة المنكوبين سواء في الدول الإسلامية أو في غيرها؛ لتكون المملكة دائمًا هي مملكة الإنسانية السبّاقة إلى إغاثة كل ملهوف، وتقديم العون لكل محتاج، وفوق هذا كله هو تقديمها نموذجًا للدولة الإسلامية العصرية؛ التي جعلت كتاب الله شرعة ومنهاجًا تهتدي به في جميع أمورها وأحوالها، الأمر الذي جعلها مثالاً للأمن والاستقرار، وكونها أكبر مصدر للنفط في العالم فقد ساهمت في تخفيف وطأة الأزمات الاقتصادية العالمية، واستمرار عجلة الحياة بشكلها العصري الحالي، ونجاحها في تحييد خطر الإرهاب.
وختاماً فإن ما ذكرته ما هي إلا لمحات مختصرة من مسيرة هذا الكيان الشامخ، سائلاً الله أن يحفظ لنا هذا الوطن المعطاء، ويسبغ علينا مزيدا من نعمة الأمن ومشاعر الانتماء في ظل تلك القيادة الرشيدة التي لم تنفك في السير بنا إلى بر الأمان في محيط أمواج بحر إقليمي مضطرب متواصل الأزمات.
وفق الله الجميع لمرضاته وخدمة أرض الحرمين الشريفين،،،،،،،،،،
د. صالح بن علي القحطاني
وكيل جامعة سلمان بن عبد العزيز
للشؤون التعليمية والأكاديمية